المساجد الثلاث وشد الرحال

[belkacem-1017]

المساجد الثلاث وشد الرحال


خلّد الإسلام تاريخ مساجد ثلاثة، لها فضل المكان، وفضل الصلاة فيها , لذا كان من الواجب على المسلمين تقدير المساجد الثلاثة، والحرص على شد الرحال إليها، والصلاة والاعتكاف فيها. والسؤال الذي يطرح نفسه في موضوع التفضيل لم كانت بعض الأماكن أفضل من بعض؟ , والجواب أن الله عز وجل_ له وحده الاصطفاء، فاصطفى أزمنة معينة فضّلها على سائر الأزمان، مثل شهر رمضان، وليلة القدر، ويوم الجمعة, وفضّل بعض الأشخاص على غيرهم مثل تفضيل الأنبياء على سائر الأشخاص، وأفضلهم هو سيدنا محمد_ صلى الله عليه وسلم _مثلما قال صاحب الجوهرة وهي منظومة في العقيدة الإسلامية:
وأفضل الخلق على الإطلاق نبينا فمل عن الشقاق
وكذلك فضل بعض الأماكن على بعض، وجعل أفضل البقاع المساجد, لما يؤديه المسجد من رسالةٍ إصلاحيةٍ يبن الخلق وخالقهم، وبين الخلق بعضهم البعض، فيساعد على تعاونهم وتكافلهم فقد قال الله صلى الله عليه وسلم: " أحبّ البلاد إلى الله مساجدها " ( رواه مسلم ) أمّا فضل شد الرّحال لزيارة المساجد الثلاثة, فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد , المسجد الحرام , ومسجد الرسول_ صلى الله عليه وسلم_ ,ومسجد الأقصى".
فهذا الحديث النبوي جاء لينصّ على أهمية المساجد الثلاثة، وهي على الترتيب الوارد في الحديث، المسجد الحرام وهو أول بيتٍ وضعه الله للنّاس, وجعله مثابةً للنّاس، ومكاناً للطواف والسعي, وكذلك المسجد النبوي الذي بناه خير الرجال، وسيد الأنبياء، سيدنا محمد _صلى الله عليه وسلم _والذي ربّى فيه جيل الصحابة، فتخرجوا منه وهم حكماء الزمان , لينشروا حكمتهم في الشرق وفي الغرب، وكذلك المسجد الأقصى الذي هو مسرى سيدنا محمد _صلى الله عليه وسلم _, والذي هو أولى القبلتين، وثالث الحرمين, قال البوصيري في بردته
سريت من حرمٍ ليلاً إلى حرم كما سرى البدر في داجٍ من الظلم
ومن المسائل التي تثار عند هذا الحديث، القول بأنّ الحديث ينهى عن السفر إلى الأماكن الأخرى، والجواب عن ذلك مثلما ذكر العلماء مثل ألسبكي وغيره_ رحمهم الله_ بأنّ المعنى ليس في الأرض بقعةٌ لها فضلٌ لذاتها حتى تشد الرحال إليها لذلك الفضل غير البلاد الثلاثة، وأمّا غيرها من البلاد فلا تشد إليها لذاتها, بل لزيارةٍ أو علمٍ أو نحو ذلك ( شرح السيوطي على سنن النسائي ( 2/27) ،فالحديث ليس فيه نهي عن السفر إلى المناطق الأخرى للتجارة، أو العلم أو زيارة الصالحين لأنّه جاء لبيان فضل البقاع المقدسة المسجد الحرام، تلك المساجد التي تعلقت بها قلوب المسلمين فجمعتهم على الخير، والدفاع عن الحق، ونشر الفضائل للعالم.