#1
|
|||
|
|||
من أوسع أودية الباطل: الغلوُّ في الأفاضل
#منقول_من_صفحة_شيخنا_الفاضل_الدكتور_رضا_بوشامة. قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله: «من أوسع أودية الباطل: الغلوُّ في الأفاضل». آثار المعلمي (10/8). قاعدة علمية سلفيةٌ مستنبطة من سيرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وسنته، لو فقهها المسلم ـ خاصَّة الشباب ـ لزال عنهم الكثير من الأوهام . روى الإمام أحمد في المسند وغيره عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، يَا خَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا، وَيَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا، فَقَالَ: «قُولُوا بِقَوْلِكُمْ وَلَا يَسْتَجْرِينكُمُ الشَّيْطَانُ، أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي الله». قال ابن الأثير: «وَلَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ» أَيْ لَا يَسْتَغْلِبَنَّكم فيتَّخِذكم جَرِيّاً: أَيْ رَسُولا ووكِيلاً. وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا مَدَحُوه فكَرِه لَهُمُ المبالغَة فِي المدْح، فنَهاهُم عَنْهُ، يُريد: تَكَلَّمُوا بِمَا يَحْضُرُكُم مِنَ الْقَوْلِ، وَلَا تَتَكَلفُوه، كَأَنَّكُمْ وُكَلاء الشَّيْطَانِ ورُسُلُه، تَنْطقُون عَنْ لِسَانِهِ». النهاية في غريب الحديث (1/264). وهؤلاء الذين مدحوه لم يقولوا إلا حقًّا، فهو خيرُ الناس وسيد ولد آدم، مع ذلك نهاهم عن المدح حتى لا يُفضي بهم ذلك إلى الغلوِّ المذموم. فكيف إذا كان المادح يَمدح الممدوحَ بألفاظ فيها غلوّ في حقِّه، وإنزالٌ له في منزلة لم يبلغها بعلمه ولا بفقهه، فكم نسمع ونقرأ مِن مبالغات في وصف طلاَّب العلم بأوصاف قد ينفر عنها أهلها المستحقُّون لها، كفضيلة العالم، والعلامة المتقن، والفقيه الأصولي، والمحدِّث الحافظ، وشيخ الشيوخ، وإمام المسلمين، وسماحة الشيخ، وغير ذلك من الأوصاف التي لم تُستعمل في هذا الزمن إلا في قلَّة مِن أهل العلم الذين أدركنا بعضَهم. ومما يَحُّز في النفس ولا يستسيغه القلب ويمجُّه السمع: أن أقرأ اسمي في بعض المنتديات تحت عنوان «علماء الجزائر»، فيا ليتنا نَصلُح أن نكون طلابَ علم فقط، نستمر في طلبنا ونجعل ذلك منهجنا وسبيلنا، فرحم الله عبدًا عرَف قدره ووقف عند حدِّه. وما أجمل ما قاله الإمام الذهبيُّ ـ لما ذكر عدداً كبيراً من حُفَّاظ القرن الثاني والثالث ـ قال: «وخَلقٌ كثير لا يحضرُني ذكرهم، ربَّما كان يجتمع في الرحلة منهم المائتان والثلاثمائة بالبلد الواحد، فأقلُّهم معرفةً كأحفظ مَن في عصرنا». ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل (ص 197). فكيف لو رأى هذا الزمان الذي أصبح إطلاق الألقاب الكبيرة على من لا يصلح إلا أن يكون طالبا للعلم إن كان، فأنزلنا كثيرا منَّا غير المنزلة التي أنزله الله. وهذه الألقاب لم يكن السلف يُطلقونها إلا على من استحقها بحقٍّ، ولا يُطلقها إلا مَن عرف مدلولاتها، قال الخطيب البغدادي: «... «فلانٌ الحافظُ» فهي أعلى صفات المحدِّثين وأسمى درجات الناقلين، مَن وُجدت فيه قُبلت أقاويله، وسُلِّم له تَصحيح الحديث وتعليلُه، غير أن المستحقِّين لها يَقلُّ معدودُهم، ويَعزُّ بل يتعذَّر وجودُهم، فهم في قلَّتهم بين المنتسبين إلى مقالتهم أعزُّ من مذهب السنة بين سائر الآراء والنِّحل، وأقلُّ من عدد المسلمين في مقابلة جميع أهل الملل» الجامع لأخلاق الراوي( 2/172). وقال سعيدٌ المؤدِّب: قلت للخطيب عند لقائي له: أنت الحافظ أبو بكر؟ فقال: «أنا أحمد بن علي الخطيب، انتهى الحفظُ إلى الدارقطني» التذكرة (3/182)، السير (18/335). فحريٌّ أن توضَع الألقاب في مواضعها، ولا تُصرف إلا لمستحقِّيها، فمِن أنواع الغلوُّ الغلوُّ في المدح والوصف، نسأل الله أن يُصلح قلوبنا ويعرِّف الخلقَ بحقيقة منزلتنا. |
|
|