#1
|
|||
|
|||
حدود الأخلاق
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . أما بعد : للأخلاق حدٌ متى جاوزته صارت عُدواناً ، ومتى قصرت عنه كان نقصاً ومهانة . فللغضب حدٌ : وهو الشجاعة المحمودة ، والأنفة من الرذائل والنقائص ، وهذا كماله . فإذا جاوز حده تعدى صاحبه وجار ، وإن نقص عنه جبن ولم يأنف من الرذائل . وللحرص حد : وهو كفاية في أمور الدنيا ، وحصول البلاغ منها ، فمتى نقص من ذلك كان مهانة وإضاعة ، ومتى زاد عليھ ، كان شَرَهًا ورغبة فيما لا تحمد الرغبة فيه . وللحسد حد : وهو المنافسة في طلب الكمال ، والأنفة أن يتقدم عليھ نظيره ، فمتى تعدى ذلك صار بغياً وظلماً يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود ، ويحرص على إيذائه ، ومتى نقص عن ذلك كان دناءة وضعف همة وصغر نفس . وللشهوة حد : وهو راحة القلب والعقل من كد الطاعة واكتساب الفضائل والإستعانة بقضائها على ذلك ، فمتى زادت على ذلك صارت نهمة وشبقاً والتحق صاحبها بدرجة الحيوانات ، ومتى نقصت عنه ولم يكن فراغاً في طلب الكمال والفضل كانت ضعفاً وعجزاً ومهانة . وللراحة حد : هو إجمام النفس والقوى المدركة والفعالة للاستعداد للطاعة واكتساب الفضائل وتوفرها على ذلك بحيث لا يضعفها الكد والتعب ويضعف أثرها ، فمتى زاد على ذلك صار توانياً وكسلاً وإضاعة ، وفات به أكثر مصالح العبد ، ومتى نقص عنه صار مضراً بالقوى موهناً لها وربما انقطع به كالمنبتِّ الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى . والجود له حد بين طرفين : فمتى جاوز حده صار إسرافاً وتبذيراً ، ومتى نقص عنه كان بخلاً وتقتيراً . وللشجاعة حد : متى جاوزته صار تهوراً ، ومتى نقصت عنه صار جبناً وخوراً ، وحدها الإقدام في مواضع الإقدام ، والإحجام في مواضع الإحجام . والغيرة لها حد: إذا جاوزته صارت تهمة وظناً سيئاً بالبريء ، وإذا قصرت عنه كانت تغافلاً ومبادئ دياثةٍ . وللتواضع حد : إذا جاوزه مان ذلاً ومهانة ، ومن قصر عنه انحرف إلى الكبر والفخر . وللعز حد : إذا جاوزه كان كبراً وخلقاً مذموماً ، وإن قصر عنه انحرف إلى الذل والمهانة . * وضابط هذا كله العدل : وهو الأخذ بالوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتفريط ، وعليه بناء مصالح الدنيا والآخرة ، بل لا تقوم مصلحة البدن إلا به ، فإنه متى خرج بعض أخلاطه عن العدل وجاوزه أو نقص عنه ذهب من صحته وقوته بحسب ذلك . وكذلك الأفعال الطبيعية ، كالنوم والسهر والأكل والشرب والجماع والحركة والرياضة والخلوة والمخالطة وغير ذلك ، إذا كانت وسطاً بين الطرفين المذمومين كانت عدلاً وإن انحرفت إلى أحدهما كانت نقصاً وأثمرت نقصاً . فمن أشرف العلوم وأنفعها علم الحدود ، ولا سيما حدود المشروع المأمور والمنهي ، فأعلم الناس أعلمهم بتلك الحدود ، حتى لا يدخل فيها ما ليس منها ولا يخرج منها ماهو داخل فيها ، قوله تعالى {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ التوبة : ] ، فأعدل الناس من قام بحدود الأخلاق والأعمال والمشروعات معرفة وفعلاً .. والله أعلم |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|