#1
|
|||
|
|||
لإسلام شريعة عدل وفضل
قال ابن تيمية رحمه الله: "الشّـَرَائِعُ ثَلَاثَةٌ: شَرِيعَةُ عَدْلٍ فَقَطْ. وَشَرِيعَةُ فَضْلٍ فَقَطْ. وَشَرِيعَةٌ تَجْمَعُ الْعَدْلَ وَالْفَضْلَ، فَتُوجِبُ الْعَدْلَ، وَتَنْدُبُ إِلَى الْفَضْلِ، وَهَذِهِ أَكْمَلُ الشَّرَائِعِ الثَّلَاثِ وَهِيَ شَرِيعَةُ الْقُرْآنِ الَّذِي جُمِعَ فِيهِ بَيْنَ الْعَدْلِ وَالْفَضْلِ؛ مَعَ أَنَّا لَا نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْجَبَ الْعَدْلَ وَنَدَبَ إِلَى الْفَضْلِ، وَكَذَلِكَ الْمَسِيحُ - أَيْضًا - أَوْجَبَ الْعَدْلَ وَنَدَبَ إِلَى الْفَضْلِ. وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْمَسِيحَ أَوْجَبَ الْفَضْلَ وَحَرَّمَ عَلَى كُلِّ مَظْلُومٍ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ ظَالِمِهِ، أَوْ أَنَّ مُوسَى لَمْ يَنْدُبْ إِلَى الْإِحْسَانِ، فَهَذَا فِيهِ غَضَاضَةٌ بِشَـرِيعَةِ الْمُرْسَلِينَ. لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إِنَّ ذِكْرَ الْعَدْلِ فِي التَّوْرَاةِ أَكْثَرُ، وَذِكْرَ الْفَضْلِ فِي الْإِنْجِيلِ أَكْثَرُ، وَالْقُرْآنُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى غَايَةِ الْكَمَالِ. وَالْقُرْآنُ بَيَّنَ أَنَّ السُّعَدَاءَ أَهْلُ الْجَنَّةِ، وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ نَوْعَانِ: أَبْرَارٌ مُقْتَصِدُونَ. وَمُقَرَّبُونَ سَابِقُونَ؛ فَالدَّرَجَةُ الْأُولَى تَحْصُلُ بِالْعَدْلِ: وَهِيَ أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ. وَالثَّانِيَةُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْفَضْلِ: وَهُوَ أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، وَتَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ. فَالشَّرِيعَةُ الْكَامِلَةُ تَجْمَعُ الْعَدْلَ وَالْفَضْلَ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280]؛ فَهَذَا عَدْلٌ وَاجِبٌ، مَنْ خَرَجَ عَنْهُ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. ثُمَّ قَالَ: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280]؛ فَهَذَا فَضْلٌ مُسْتَحَبٌّ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، مَنْ فَعَلَهُ أَثَابَهُ اللَّهُ وَرَفَعَ دَرَجَتَهُ، وَمَنْ تَرَكَهُ لَمْ يُعَاقِبْهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92]؛ فَهَذَا عَدْلٌ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92]؛ فَهَذَا فَضْلٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45]؛ فَهَذَا عَدْلٌ. ثُمَّ قَالَ: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45]؛ فَهَذَا فَضْلٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]؛ فَهَذَا عَدْلٌ. ثُمَّ قَالَ: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237]؛ فَهَذَا فَضْلٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]؛ فَهَذَا عَدْلٌ. ثُمَّ قَالَ: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]؛ فَهَذَا فَضْلٌ. وَقَالَ تَعَالَى: "{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] ؛ فَهَذَا عَدْلٌ. ثُمَّ قَالَ: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]؛ فَهَذَا فَضْلٌ. وَهُوَ - سُبْحَانَهُ - دَائِمًا يُحَرِّمُ الظُّلْمَ وَيُوجِبُ الْعَدْلَ وَيَنْدُبُ إِلَى الْفَضْلِ"اهـ |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|