#1
|
|||
|
|||
((الأوامر والنواهي))
قال الله - تعالى -: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]. يخبر الله - تعالى -أنه يأمر بالعدل والإحسان، فالعدل الذي أمر الله به يشمل العدل في حقه وفي حق عباده، فالعدل في ذلك أداء الحقوق كاملة موفرة بأن يؤدي العبد ما أوجب الله عليه من الحقوق المالية والبدنية والمركبة منهما في حقه وحق عباده، ويعامل الخلق بالعدل التام فيؤدي كل والي ما عليه تحت ولايته سواء في ذلك ولاية الإمامة الكبرى وولاية القضاء ونواب الخليفة ونواب القاضي والعدل هو ما فرضه الله عليهم في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأمرهم بسلوكه. ومن العدل في المعاملات أن تعاملهم في عقود البيع والشراء وسائر المعاوضات بإيفاء جميع ما عليك فلا تبخس لهم حقا ولا تغشهم ولا تخدعهم وتظلمهم فالعدل واجب والإحسان فضيلة مستحبة وذلك كنفع الناس بالمال والبدن والعلم وغير ذلك من أنواع النفع حتى يدخل فيه الإحسان إلى الحيوان البهيم المأكول وغيره قال - عليه الصلاة والسلام – (إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)([1]). ومعنى إحسان القتلة: أن يجتهد في ذلك ولا يقصد التعذيب وإحسان الذبح في البهائم أن يرفق بالبهيمة وأن يوجهها إلى القبلة ويسمي ويكبر ويقطع الحلقوم والهودجين ولا يسلخها حتى تبرد، وخص الله إيتاء ذي القربى وإن كان داخلا في العموم؛ لتعين حقهم، ولتعين صلتهم وبرهم والحرص على ذلك، ويدخل في ذلك جميع الأقارب قريبهم وبعيدهم لكن كل من كان أقرب كان أحق بالبر وقوله - تعالى -: (وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ)، وهي كل ذنب عظيم استفحشته الشرائع والفطر كالشرك بالله والقتل بغير حق والسرقة والعجب والكبر واحتقار الخلق وغير ذلك من الفواحش. ويدخل في المنكر كل ذنب ومعصية تتعلق بحق الله - تعالى -، ويدخل في البغي كل عدوان على الخلق في الدماء والأموال والأعراض فصارت هذه الآية جامعة لجميع المأمورات والمنهيات لم يبق منكر إلا دخل فيها فهذه قاعدة سائر الجزئيات فكل مسألة مشتملة على فحشاء أو منكر أو بغي فهي مما نهى الله عنه، وبها يعلم حسن ما أمر الله به وقبح ما نهى الله عنه، وبها يعتبر ما عند الناس من الأقوال وترد إليها سائر الأحوال، فتبارك من جعل من كلامه الهدى والشفاء والنور والفرقان بين جميع الأشياء ولهذا قال: (يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي بما بينه لكم في كتابه بأمركم بما فيه غاية صلاحكم ونهيكم عما فيه مضرتكم لعلكم تذكرون ما يعظكم فتفهمونه وتعقلونه فإنكم إذا تذكرتموه وعقلتموه عملتم بمقتضاه فسعدتم سعادة لا شقاوة معها([2]). وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال إن أجمع آية في القرآن هذه الآية: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) الآية أخرجه ابن جرير الطبري. وقد أمر الله - تعالى -في هذه الآية بثلاثة أشياء هي أصول التقوى: وهي العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى كما نهى عن ثلاثة أشياء هي أصول المعاصي والآثام وهي: الفحشاء والمنكر والبغي. ما يستفاد من هذه الآية الكريمة: 1- وجوب العدل في الأقوال والأفعال والأحكام بين الناس والعدل بين الزوجات في النفقة والكسوة والمبيت والقسمة، والعدل بين الأولاد في العطية والترغيب فيه وفضله والحث عليه. 2- الحث على الإحسان في كل شيء في عبادة الله في إتقانها والإحسان إلى الوالدين والأقارب والجيران والإحسان إلى المماليك والبهائم. 3- الحث على إيتاء ذي القربى حقوقهم ووجوب ذلك. 4- تحريم الفواحش والمنكرات ما ظهر منها وما بطن. 5- تحريم البغي على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم. 6- فضل الله على خلقه حيث أرشدهم إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم وحذرهم عما يضرهم في دينهم ودنياهم، فلله الحمد والشكر والثناء على ذلك([3]). ---------------------- ([1]) رواه مسلم. ([2]) تفسير ابن سعدي (4/ 113، 114) ط1. ([3])المصدر بهجة الناظرين فيما يصلح الدنيا والدين للشيخ عبد الله ن جار الله آل جار الله ـ - رحمه الله - ـ ص 329. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|