#1
|
|||
|
|||
الذريعة إلى وجوب تطبيق الشريعة
حد السرقة وصلاحيتها لإقامتها في كل مكان وزمان: تمهيد: تعريف السرقة، وحكمها: وتعريفها في اللغة، وأنها بمعنى أخذ الشيء من الغيرِ خُفيةً؛ أي: على سبيل الاختفاء، ذكر الشوكاني في الدرر البهية: باب حد السرقة: "وأنها أخذ مال محترم من معصوم أو نائبه، موضوع في حرزه على وجه الخفاء، والفرق بينها وبين المنتهب والمختلس أنه يأخذ المال من صاحبه على وجه الغلبة والقهر على مرأى من الناس، فيمكن أن يدفعوا عنه، والاختلاس نوع من الخطف من غير غلبة ولا قهر، وقد اتفق العلماء على عدم قطعهما؛ لِما روى أبو داود: ((ليس على الخائن والمختلس قطع)). وفي رواية: ((ليس على المنتهب قطع))[رواه أبو داود في كتاب الحدود، باب القطع في الخلسة والخيانة]. وذلك أنها محرمة شرعًا، وهي كبيرة من كبائرَ لُعِن فاعلها وحُدَّ، ولقد دل الكتاب والسنة والإجماع على تحريمها: أما الدليل من القرآن الكريم، فقوله - تعالى -: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[المائدة: 38]. وأما السنة، ففي فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ففي الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها -: "كان رسول الله يقطع يد السارق في الربع دينار فصاعدًا"، وحديث المخزومية: ((والذي نفسي بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)). وأجمع العلماء على قطع يد السارق إذا ثبتت الشروط وانتفت الموانع، التي سوف نبينها بعد. وقطع يد السارق في الشريعة له شروط شديدة، استنادًا إلى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ادرؤوا الحدود بالشبهات)). فليس الأمر للتعذيب، ولا للتشفي والانتقام، ولكن ليستريح برٌّ، ويستراح من فاجر، ويأمن الناس في دورهم وبيوتهم. فلا تقطع يد من أخذ شيئًا من مال غيره إلا بضوابط أو بشروط، منها: 1- أن يكون مكلفًا، فإذا كان صبيًّا أو مجنونًا وأخذ شيئًا من مال غيره خفية لا تقطع يده؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن المجنون حتى يُفيق))، وفي لفظ: ((المعتوه حتى يعقل أو يُفيق، وعن الصبي حتى يكبَرَ))، وفي رواية: ((حتى يحتلم)). 2- أن يكون قد سرق مختارًا، لا مكرَهًا، فلا حد على المكره؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله وضَع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه)). 3- ألا يكون في المال الذي أخذه شبهة ملك: فإن كانت له فيه شبهة ملك، فإنه لا يعتبر سارقًا في حكم الشرع، ومن ثم لا يحكم بقطع يده؛ ولهذا لا تقطع يد الأب والأم لسرقة مال ابنهما؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنت ومالك لأبيك)). 4- أن يكون المسروق مالًا يحل تملُّكه شرعًا: فلا تقطع يد من سرق خمرًا أو خنزيرًا، وما أشبه ذلك من الأشياء التي يحرم تملكها وبيعها، وأن يكون المسروق مالاً متقوِّمًا، أو ذا قيمة؛ لأن اليد لا تقطع في الشيء التافه، كما كان في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 5- أن يكون المال المسروق مقدرًا: أي: يبلغ المسروق نصابًا، والنِّصاب هو ربع دينار، أو ثلاثة دراهم من الفضة، أو ما تساوي قيمته ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، من الأمتعة وغيرها، والدليل على ذلك: ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أنه قال: ((تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا))، وفي رواية أخرى: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((تقطع يد السارق في ربع دينار)). ويؤيده ما ورد في الصحيحين من حديث ابن عمر: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع في مِجَنٍّ ثمنه ثلاثة دراهم). وهذا يدلك على ضيق فهم أعداء الشريعة من العلمانيين ومن تبعهم من عوام المسلمين بظنهم الفاسد: أن كل من سرق دقيقًا أو جليلاً قطعت يده، فصوروا في أذهانهم الإسلام بالوحش الذي لا يهدأ حتى يأكل فريسته، ويدعها هكذا يتناهشها الضباع والنسور، وقديمًا قيل: ومن يكن الغراب له دليلاً *** يمر به على جِيَفِ الكلاب فمن كان العَلْمانيون والمنافقون دليله، فما يكون حاله في الدنيا ومآله في الآخرة عند الله؟! 6- أن يؤخذ المال المسروق من حرزه: وهو المكان الذي أعد لحفظه وصيانته؛ كالدار وغيرها، وكل شيء له حرز يناسبه، فإذا لم يؤخذ المال من حرز، فلا قطع على من أخذه، ولكن يؤدب. والدليل: ما ذكره عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سمعت رجلاً من مُزَينة يسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله، جئت أسألك عن الضالة من الإبل؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((معها حذاؤها وسقاؤها، تأكل الشجر وترد الماء، فدعها حتى يأتيها باغيها))، قال: الضالة من الغنم؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لك أو لأخيك أو للذئب، تجمعها حتى يأتيها باغيها))، قال: الحريسة التي توجد في مراتعها؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((فيها ثمنها مرتين، وضرب نكال، وما أخذ من عطنه ففيه القطع، إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن))، قال: يا رسول الله، فالثمار ما أخذ منها في أكمامها؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((من أخذ بفمه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء، ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين، وضرب نكال، وما أخذ من أجرانه ففيه القطع، إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن)). 7- ألا يكون السارق مضطرًّا لسد جوعه: حيث لم يجد من الطعام الحلال شيئًا يأكله؛ ولهذا منع عمر بن الخطاب قطع يد السارق في عام المجاعة، وذكر أن كل سارق سرق عام المجاعة لم يقطع عمر بن الخطاب يده قائلاً: أراه مضطرًّا، ولم ينكر أحد من الصحابة - أئمة الأمة - عليه هذا الأمر، وكفاك بعمر وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن القوم بعدهم؟! وهم أدرى بمقاصد الشريعة، وأفهمُ لكلام الرسول ونصوص القرآن المنزل على نبيه، وصدق الله مخاطبًا نبيه: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الأنبياء: 107]. • متى لا تطبق الشريعة الإسلامية حد القطع؟ لا يطبق حد السرقة عند قيام الشبهة لقاعدة: "الحدود تدرأ بالشبهات". • وما هذه الشبهات التي يمتنع فيها إصدار حكم القطع على السارق؟ 1- إذا سرق العبد شيئًا ينظر: هل يطعمه سيده أم لا؟ فإذا كان لا، غرم سيده ثمن المسروق؛ كما فعل سيدنا عمر - رضي الله عنه - في غلمان ابن حاطب بن أبي بلتعة حين سرقوا ناقة رجل من مُزَينة، فقد أمر بقطع أيديهم، ولكن حين تبين له أن سيدهم يجيعهم درأ عنهم الحد، وغرم سيدهم ضعف ثمن الناقة، تأديبًا له. 2- تكذيب المسروق منه للسارق في إقراره بالسرقة بقوله: لم تسرق مني. 3- تكذيب المسروق منه ببينته بأن يقول: شهد شهودي زورًا. 4- رجوع السارق عن الإقرار، فلا تقطع يده ويضمن المال؛ لأن الرجوع عن الإقرار يقبل في الحدود، ولا يقبل في المال؛ لأنه يورث شبهة في الإقرار، والحد يسقط بالشبهة، ولا يسقط المال. 5- رد السارق المسروق للمسروق منه قبل الحُكم عليه والمرافعة، فيسقط الحد حينئذ، أما بعد المرافعة فلا يسقط الحد؛ لأن الخصومة شرط السرقة الموجبة للقطع، فإذا رد السارق المسروق قبل المرافعة بطَلت الخصومة بخلاف بعد المرافعة؛ لأن الشرط وجوب الخصومة. 6- ملك السارق للمال المسروق قبل رفع الأمر للقضاء، فإذا ملكه قبل رفع الأمر للقضاء فلا يقام عليه الحد، أما إذا وهبه بعد رفع الأمر للقضاء لم يسقط عنه الحد؛ لما جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر في سارق رداء صفوان: أن تقطع يده، فقال صفوان: إني لم أرد هذا، وهو عليه صدقة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فهلا قبل أن تأتيني))، قال الشيخ زيد المدخلي - حفظه الله - في السبل السوية (باب الحدود21/6): "والقول بجواز الشفاعة قبل بلوغها الوالي هو مذهب أحمد والأوزاعي، وقبلهما الزبير وابن عباس، وهو الحق؛ لِما فيه من الترغيب في ستر المسلم"؛ انتهى، وقد تبعه بكلام بديع، فلينظر في السبل السوية. 7- ادعاء ملكية المسروق، فإذا ادعى الجاني ملكية الشيء المسروق، فعندئذ يرى البعض أن الادعاء يسقط القطع. 8- عفو المسروق منه عن السارق يسقط الحد، بشرط أن يكون هذا العفو قبل رفع الأمر إلى ولي الأمر. فانظر وتأمل حكمة الله في تشريعه، وكمال رحمته بعباده، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|